قال اللّه سبحانه وتعالى: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُوْمُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوَاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ).وفي كتاب الترمذي كان عثمان بن عفان رضي اللّه عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار ولا تبكي وتبكي من هذا؟ فقال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: القبر أول منزل من منازل الآخرة فأن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه " . وسمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: " ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه " . وفي كتاب أبي داود والنسائي عن البراء بن عازب عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: يأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك فيقول ربي اللّه فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيقولان وما يدريك فيقول قرأت كتاب اللّه فآمنت به وصدقت فذلك قوله تعالى: (يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ).
قال فينادي مناد من السماء أن صدق عندي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له فيها مد بصره.
وأما الكافر فذكر موته قال ويعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان من ربك فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان ما دينك؟ فيقول هاه هاه لا أدري فيقولان ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هاه هاه لا أدري فينادي مناد من السماء أن كذب فافرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار قال فيأتيه من حرها وسمومها قال ويضيق عليه قبره حتى تختلف عليه أضلاعه ثم يقبض له أعمى أصم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبلاً لصار تراباً فيضربه بها ضربة يسمعها ما بين المشرق والمغرب إلا الثقلين فيصير تراباً ثم يعاد فيه الروح.
وفي كتاب الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لصلاة فرأى ناساً كأنهم يكثرون قال: أما إنكم لو أكثرتم ذكر هازم اللذات لشغلكم عما أرى فأكثروا ذكر هازم اللذات الموت فإنه لم يأتِ على القبر يوم إلا تكلم فيه فيقول أنا بيت الغربة وأنا بيت الوحدة وأنا بيت التراب وأنا بيت الدود فإذا دفن العبد المؤمن قال له القبر مرحباً وأهلاً أما إن كنت لأحب من يمشي على ظهري إلي فإذا وليتك وصرت إلي فسترى صنعي بك قال فيتسع له مد بصره ويفتح له باب من الجنة.
وإذا دفن العبد الفاجر أو الكافر قال له القبر لا مرحباً ولا أهلاً أما إن كنت لأبغض من يمشي على ظهري إلي فإذا وليتك اليوم صرت إلي فسترى صنعي بك قال فليتم عليه حتى يلتقي عليه وتختلف أضلاعه. قال وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بأصابعه فأدخل بعضها في جوف بعض قال ويقبض له سبعون تنيناً لو أن واحداً منها نفخ في الأرض ما أنبتت شيئاً ما بقيت الدنيا فينهشنه ويخدشنه حتى يفضي به إلى الحساب. قال وقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار " ويروى أن رجلاً دخل على عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه فرآه قد تغير لونه من كثرة العبادة فجعل يتعجب من تغير لونه واستحالة صفته فقال له عمر: يا ابن أخي وما يعجبك مني فكيف لو رأيتني بعد دخول قبري بثلاث وقد خرجت الحدقتان فسالتا على الخدين وتقلصت الشفتان عن الأسنان وخرج الصديد والدود من المناخر والفم وانتفخ البطن فعلا على الصدر وخرج الدبر من الصلب لرأيت إذ ذاك شيئاً أعجب مما رأيته الآن.
وكان بكر العابد يقول لأمه يا أمه ليتك كنت بي عقيماً إن لابنك في القبر حبساً طويلاً وإن له من بعد ذلك رحيلاً.
وقال حاتم الأصم من مر بفناء القبور ولم يتفكر في نفسه ولم يدع لهم فقد خان نفسه وخانهم. قال القشيري سمعت أبا علي الدقاق يقول دخلت على الإمام أبي بكر بن فورك عائداً فلما رآني دمعت عيناه فقلت له إن اللّه يعافيك ويشفيك فقال لي تراني أخاف من الموت إنما أخاف مما وراء الموت.وسمعت بعض الفقراء يقول إن سبب زهد داود بن نصر الطائي أنه سمع نائحة تنوح: بأي خديك تبدي البلا وأي عينيك إذا سالا واعجبا لو وصف طبيب لك داءك ودواءك لاستمعت إليه ولأطعته وهذا دواء دائك العظيم الدفين الذي يصلي صاحبه نار جهنم فلا تسمع إليه حق الاستماع وربما إن طال المجلس نعست أو تكلمت مع أنه ورد ذم المتكلم. ولو كنت في لهو أو أمر دنيا لم تنعس بل ارتحت له وما ذاك إلا لخبث سريرتك وضعف إيمانك أين آباؤك وأين إخوانك وأحبائك سكنوا بطون الأرض وصاروا أكلاً للهوام ولا يقدرون على دفع ما يلقون من العذاب:
هو الدهر فاصبروا ما على الدهر معتب ... ليس لنا من خطة الموت مهرب
ولا بد من كأس الحمام ضرورة ... ومن ذا الذي من كأسه ليس يشرب
وما يعمر الدنيا الدنية حازم ... إذا كان فيها عامر العمر يخرب
وإن علياً ذمها في كلامه ... وطلقها والجاهل الغر يخطب
ولما أتى بالكوز والناس حضر ... فقال لهم يا للرجال تعجبوا
ألا إن هذا الكوز فيه مواعظ ... لمتعظ من ظلمة القبر يرهب
فكم فيه من ثغر وعين كحيلة ... وخد أسيل كان يهوى ويطلب
وكم من عظيم القد صارت عظامه ... إناء ومنه الماء يا قوم يشرب
وينقل من أرض لأخرى هدية ... فواعجاً بعد البلا يتغرب
اللهم أصلحنا وأصلح فساد قلوبنا وأصلح فساد أعمالنا وأصلح فساد ولاة أمورنا وأصلحنا بما أصلحت به عبا
دك الصالحين.