عَذْرَاءُ ... دِمَشْقُ
دِمَشْقُ لَكِ الْجُلَّى ، دِمَشْقَ الجلائِلَ دِمَاءُ شَـهِيدِ الحقِّ زَيْتُ المشَاعِلِ
تَوَلَّى عَنِ الأَهْـوَالِ عِىٌّ وَمُنْطَوِ ؛ بِقَصْدٍ ، تَمَطَّى فَوْقَ جِسْرِ التَّخَاذُلِ
تَخَلَّى عَنِ العَـذْرَاءِ يَأسَى بَيَاتُهَا تُقَاسِى عَرَاءً ، فى ظَلامِ المجـَاهِلِ
وَتُخْفِى ضَنَاهَا فِى سُوَيْدَاءِ قَلْبِهَا ، وَتَنْأَى بخِزْىِ الأَهْلِ خَلْفَ التَّحَايُلِ
وَتَطْوِى عَلَى هُونٍ أَسَاهَا ؛ لِفَقْدِهَا أَبَاهَا، وَحُلْمًا ضَلَّ دَرْبَ التَّوَاصُلِ
فَتَنْهارُ أَحْيَـانًا ، وَحِيـنًا يُمِدُّهَا هُدَاهَا بِزَادٍ مِنْ عَطَـايَا الفَضَائِلِ
إِذَا الوَعْىُ زَكَّاهَا تَرَوَّتْ وَرَتَّلَتْ ، وَصَلَّتْ صَلاةَ الحَرْبِ بَيْنَ الغَوَائِلِ
وَتُؤْوِى صِغَارًا ضَلَّلَتْهُمْ دُرُوبُهُمْ ، وَأَلْقَتْ ذَوِيهِمْ ؛ فى شَنِيعِ الْمَقَاتِلِ
أَمَا مَاتَ أَهْلُوهُمْ ؟ أَلَيْسَتْ بِأُمِّهِمْ هِىَ العِفَّةُ العَذْرَاءُ مِنْ غَيْر عَائِلِ ؟
فَتُخْفِى عَنِ الأَبْنَاءِ أَجْسَادَ صِبْيَةٍ ؛ تُغَطِّيهِم ، فَهُمْ قَتْلَى مَرِيدِ الأَرَاذِلِ
تُوَارِى عَنِ الآفَاقِ تَبْرِيـحَ مَا بهَا وَتُغْضِى ، فَإِنْ أَنَّتْ أُحِيطَتْ بِوابِلِ
فَتَطْوِى عَلَى نَارٍ تَمَادَى أَوَارُها ، بِرُوحٍ سَمَتْ رَغْمَ اشْتِدَادِ الطَلاطِلِ
بِدَأْبٍ تَرَى شَعْبًا جَنِـينًا بِقَلْبِهَا ، سَـيَأْتِى بِمِيـلادٍ شَرِيفِ الْمَنَازِلِ
تَخَلَّتْ عَنِ العَذْرَاءِ وِدْيَانُ قَوْمِهَا وَظَلَّتْ ، فَلَمْ تَخضع لِجَوْرِ المعَاظِلِ
تَغَطَّتْ بِسِتْرِ الَّليْلِ يَأسُو جِرَاحَهَا، وَيَحْنُـو يُرَوِّيهَـا عَزَاءُ الدَّوَاخِلِ
تَأَبَّتْ فَلَمْ تَجْزَعْ ، تَسَامَتْ تَرَفَّعَتْ فَعَزَّتْ ، يُرَقِّيهَا ابْيِضَاضُ الدَّوَاخِلِ
وَتحْيَا هَىَ الغَيْدَاءُ فى طُهْرِ خِدْرِهَا تُنَحِّى عَنِ الْمَسْعَى شِدَادَ القَلاقِلِ
أَتَشْكُو شَحِيحًا مِنْ ذَوِيهَا فَتَنْتَهِى إِلَى تِيـهِ أَفَّاكٍ ، وَلاهٍ وَذَاهِـلِ ؟!
أَتَبْكِى وَلا تَلْقَى لَدَيْهَا مُكَفْـكِفًا دُمُوعًا تُعَرِّيهَـا مَرَايَا المحَـافِلِ ؟!
أَسَرَّتْ هِىَ النَّجْوَى ، فَيَحْيَا يَقِينُهَا بَسِـيمَا ثِقَاتٍ ، مِنْ كِرَامِ الأَوَائِلِ
فَصَامَتْ بِبَِرِّ الحُِلْمِ ، فَاشْتَدَّ حَزْمُهَا تَسَامَتْ ، فَلَمْ تَنْظُرْ إِلَى زَيْفِ زائِلِ
أَقَامَتْ بِدَارِ الرُّوحِ هَامَتْ بِأُنْسِهَا حَماهَا حِمَاهَا مِنْ فُضُولِ التَّسَاؤُلِ
فَأَفْضَتْ بمَا شَـاءَتْ بِأُنْسِ ذَاتِهَا فَقَرَّتْ عَلَى أَمْنٍ ، فَوَا بِشْرَ نَائِلِ !